المرحوم احمد الدره |
أصبح
الناس في الحارات المنسية وما جاورها من حارات أخرى يتناقلون أخبار ذلك العبد سعيد
ومعاونيه الذين تمترسوا في مغارة مفتاح التي تقع على الطريق المؤدي الى مدينة إربد
، تلك الطريق التي كان يسلكها تجَّار المواشي والمواد الغذائية راجلين او على
دوابهم ، حيث كان هذا العبد ومن معه يترصدون للتجار والمارَّة الذين يسلكون هذا
الطريق ، ويقومون بترهيبهم بسلاحهم وتهديدهم بالقتل إن لم يرضخوا لأوامرهم بتسليمهم
ما لديهم من نقود او من مواشي او اي شيء يحوزونه ، وقد نجحوا في كثير من عملياتهم
في تجريد المارَّة من ما يملكونه . وأكثر عملياتهم كانوا ينجحوا بها ليلا خصوصا
اذا كان من يسلك الطريق وحيدا . وقد إستمروا بعملياتهم بقطع الطريق لأكثر من عشر
سنوات وكان ذلك في أواخر التواجد العثماني في المنطقة ، مما شكل تواجدهم في هذه
المغارة وقَطْعِهم للطريق خوفا كبيرا لدى الكثيرين ، واوجد لدى الكثيرين منهم ما
يسمى بفوبيا عبد مغارة مفتاح ، وهذا ما جعل الكثير يعزفون عن التجارة والذهاب الى
المدينة خشية قطع الطريق عليهم ، في الوقت الذي لا يملك العديد منهم الحد من اعمال
الترهيب التي يقوم بها .
في
أصيل أحد الأيام ، وحينما بدأت الشمس تجنح للمغيب وترتفع امواج الظلام ، وطيور
السُوَّد ( الشحرور ) تزقزق معلنة عن انتهاء نهار مفعم بالحيوية والنشاط بعد ان
امنت صغارها بما لذ لها وطاب من حشرات تلك الغابة المقابلة لمغارة مفتاح ، تلك
المغارة التي اتخذ منها العبدٌ سعيد ، صاحب القامة الطويلة ، لا ابيض فيه الا
اسنانه وحدقتي عينية البارزتين ، صاحب الانف المفلطح والشفتين الغليظتين ،
والذراعين الممتلئين بالعضلات والأرجل الغليظة ، ذلك العبد الذي إمتهن التشليح
بالأكراه وبتهديد البندقية العُصملية المرافقة له طول أيام تواجده بالمغارة التي
تسيطر سيطرة مطلقة على الطريق وتكشف من يسلكها دون ان يتم إكتشافه فيها . وقبل أن
يداهم الليل المكان وصل الفارس أحمد الدرة ابو الكشك والذي كان بحوزته بضاعة محملة
على حمارين ، والمعروف عنه بشجاعته وقوة قلبه ، ومهارته في التصويب وإصابة هدفه من
اول رصاصة ، ببندقيته المسماه أُم رمَّانة التي على الدوم تكون أحدى رصاصاتها خلال
مشاويره خارج الحارات في بيت النار ، فهو تاجر ويحوز على النقود ولذلك كان يشكل
هدفا جيدا ومطمعا لقطاع الطرق . وعند موازاته لمغارة مفتاح نبهه عبد المغارة ومن
ثم أطلق بالهواء رصاصة لإخافته ، مناديا عليه بصوت أجَشٍّ فيه نبرات الرعب
والترهيب : انزِل عن فَرَسك وارمي سلاحك ولا تخليني أذبحك . لكن احمد الدرة لم يرضخ
لطلبه وبسرعة نزل عن فرسه وأختبأ خلف صخرة ، ووجه بوز بندقيته الى مكان مصدر الصوت
على باب المغارة وأطلق رصاصته التي لم تخطىء هدفها حيث إستقرت في رأس العبد الذي
سقط كجمل هائج على الارض مطلقا صيحة الموت مما اوجد الفزع لدى معاونيه الذين كانوا
معه بالمغارة ، وبعد تبادل لإطلاق النار معهم إستسلموا وتم أسرهم وتجريدهم حتى من
كامل ألبستهم وتركهم يهيمون بالغابة ، وأنتظر احمد الدُرَّة برهة من الزمن وتسلل
على جنح الظلام ووصل الى المغارة وإذا بالعبد مجندلا على مدخلها - جثة هامدة - بلا
حراك وبندقيته ممدة الى جانبه . فأخذ البندقية وجرَّه لداخل المغارة ، وعاد الى
الحارات وروى لأهلها قصة قتله للعبد وتجريد معاونيه من سلاحم وألبستهم وكيف خلَّص
الناس منهم .
وكان
اذا سأله أحد عن كيفية قتله للعبد يقول : حطيتها بين عيونه ونبطته رصاصة وكرفته
على باب المغارة تقول بغل لعين هالوالدين . ومن
يومها صار الناس يتناقلون فيما بينهم حادثة مقتل العبد وكيف قتله احمد الدرة
برصاصة واحدة جاءته بمقتل ، وصارت الحادثة مثلا يردده الناس ، فحين يرمي شخص هدفا
ما ويصيبه من اول مرة ولا يُخطيه يقولون : إهواتك مثل إهواة ابو الكشك .
المصدر : الكاتب خالد صالح قوقزه
الله يرحمه
ردحذف