هذا الرجل هو ابي

 

الاستاذ محمد خالد عضيبات 

هذا الرجل هو أبي، وُلِدَ في منتصف القرن الماضي في قرية مرتفعة ذات جوّ قاس وبارد في الشمال، يأكل أهلُها مما يزرعون ويحصدون، قلبه ينبض بالحب وبالعاطفة وبالحنان، ويده الكريمة لا تعرف الفروقات، وهو أكبر إخوته، آثر العلم والدراسة رغم طول الرحلة وضيق الظروف، التحق بجامعة بيروت العربية، وجامعة الإسكندرية، وأخيرا جامعة اليرموك، وامتهن التعليم، وجعل منه رسالة، علّم أبناء قريته والقرى المجاورة في زمن كانت فيه المعرفة أمرًا شاقًّا، وكان يتنقّل مترجّلًا لمسافات طويلة كنا نظنّ أنها خيال ونحن صغار نتحلّقُ حولَه ويسرد لنا الحكايات، هذا الرجل ترك أثرًا في كلّ مَنْ عرفه، وكان من أوّل من يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، أحبَّ أمّي وأحبَّتْه، وعاشا على اللقمة الحلال التي لا يمكن أن تَغَصّ بها الحنجرةُ، ولا يمكن أن تسبب الأرق، عاش على الإيمان وأنجبنا، وحرص على تربيتنا وتعليمنا، ويكره أنْ يقال أنه حرم نفسه من الكثير حتى نكبر ونتعلم ونصير إلى ما صرنا إليه...

اقراء ايضا على موقع عشيرة العضيبات : حملة الشهادات العليا من ابناء عشيرة العضيبات 

هذا الرجل هو أبي، الذي كتب الشِّعر منذ كان صبيًّا، وعمّرَ مكتبةً زاخرة في بيتنا القديم بكتب من مصر وأخرى من لبنان، وصرنا نمرّ عليها كلّما اشتقنا لرائحة الورق، قبل أن يُصابَ الناس بالأجهزة المحمولة والسريعة، لقد علّمَنا كيف الصلاة دون أن يقولَ حرفًا، وحفظ من القرآن ما حفظ، وكان يرتّله بصوته الشجيّ وهو يؤمّنا في البيت...
هذا الرجل هو أبي، فلحَ الأرض وزرعَها، وانتشل الماء من البئر بعيدًا، ويسّرَ لعيون الماء سيولًا كي تنساب على راحتها، كلّما بُحَّ صوتُه، شعرْتُ وإخوتي بالعطش..
دمتَ تاجًا على الرأس يا أبي، ولَكَأنّنا ملوكٌ في حضرتك. 

اقراء ايضا على موقع عشيرة العضيبات : الشاعر عضيب عضيبات 

الشاعر عضيب عضيبات