يعد المعلم من اهم
ركائز النهضة الإنسانية، فهو المنارة التي تهتدي بها الأجيال الصاعدة لتسير على
طريق الحضارة وتبتعد عن طريق الضلال والانحراف الاستاذ محمد قاسم محمود عضيبات (أبا أحمد)
اليوم وقفت حائرا حيث
لا أجد فـي قاموسي من الكلام ما يعبر عما يستحقه ضيفنا، فهو شخصية تربوية ساهمت
على مدى حوالي نصف قرن من العمل التربوي بشكل فاعل في بناء
النهضة التربوية والتعليمية في الأردن ومتجولا في بعض الدول العربية والدول
الصديقة، وله بصمات واضحة يحملها بكل فخر واعتزاز طلبته من وزراء ودبلوماسيين
ورجال دين وعلم، أطباء ومهندسين ومدرسين.
في سلسلة حلقات "ومضات
من تاريخ عشيرة العضيبات " نقلب صفحات الذكريات مع الرعيل الاول من رجالات
العشيرة وحديث مع أحد رجالات الوطن الأوفياء والمخلصين من التربويين المتميزين
الذين أفنوا حياتهم في خدمة التربية والتعليم عقودا طويلة، الذين بنو مجد التربية
والتعليم في الاردن حجرا فحجرا وأعطوا من وقتهم وصحتهم وعقولهم المستنيرة الكثير
الكثير، انه المربي الفاضل الاستاذ محمد قاسم محمود عضيبات (أبا أحمد)
ضيفنا
ولد عام (1941) في قرية سوف (مدينة سوف) والتحق بمدارسها بالمرحلة الابتدائية (الأساسية)
من الصف الأول ولغاية الصف السادس، في ذلك الوقت لم يكن هناك مسمى المرحلة الإعدادية
فبعد انهاء ضيفنا المرحلة الابتدائية ومدتها (6) سنوات انتقل الى جرش لدراسة
المرحلة الثانوية ومدتها (5) سنوات تبتدئ ب الصف الأول ثانوي وتنتهي ب الخامس
ثانوي
امضي في جرش مراحل الأول والثاني والثالث ثانوي
ولعدم توفر مدارس للرابع والخامس ثانوي في لواء جرش (محافظة جرش) انتقل لدراسة هذه
المراحل في مدينة اربد وفي مدرسة اربد الثانوية وبهذا تكون جميع مراحل الدراسة
(11) عام وليس (12) كما هو متعارف عليه الان
تخيلوا معي وليعذرني استاذي الفاضل ان طفل بذلك
الوقت لا يتجاوز عمره ال (10) سنوات يدرس في جرش ويستأجر منزل مع اقرانه من الطلاب
أمثال الأستاذ الفاضل محمد علي أبو لباد أبا هشام ويبقوا طيلة الأسبوع في جرش وفي
نهاية الأسبوع يذهبوا الى سوف مشيا على الاقدام لعدم توفر مواصلات بين سوف وجرش ومن
ثم ينتقلون سويا الى اربد وبنفس الطريقة أطفال لا يتجاوز أعمارهم ال (13) عام
لدراسة مرحلتي الرابع والخامس ثانوي) ويستأجرون بيت وفي نهاية الأسبوع يعودن لجرش
بالباص ومن ثم يكملون طريقهم الى سوف مشيا على الاقدام؟؟ أي جيل جبار هذا واي طفولة
عاشوها!!!
بعد اكمال مرحلة الدراسة (الخامس ثانوي) عين مدرسا للغة
العربية في عام (1957) للمرحلة الابتدائية والاعدادية بعد التغير الذي حصل على
مراحل الدراسة في الأردن و في مدارس جديتا ( محافظة اربد ) وسوف وجرش حتى عام (1967) ثم
عين مدرسا في المدرسة الثانوية جرش للمرحلة الثانوية حتى عام (1973) أمضى مدة (16)
عاما في التدريس ثم شغل وظيفة موجها للغة العربية ورئيس قسم تعليم عام ثم مدير
شؤون تعليمية لمدة تزيد عن (10)
سنوات حتى عام (1989) حيث احال نفسه على التقاعد وواصل عمله مره اخرى موجها للغة
العربية في دولة الامارات حتى عام (1998)
أعير لدولة الامارات
العربية ورشّح من قبل الدولة للعمل كمدرسٍ في جامعة إسلام أباد في الباكستان لغير
الناطقين باللغة العربية لمدة خمس سنوات وعمل في التلفزيون الباكستاني كمراقب للأنشطة
العربية ومدرسًا في نقابة المحامين الباكستانيين، وانتدب للتدريس في الجامعة
السودانية- أبو ظبي.
وأحيل للتقاعد بدرجة خاصة وحصل على الجواز
الدبلوماسي وواصل عمله في دولة الامارات كمترجم ممتاز ومسؤول عن البعثات الخارجية وحصل
على شهادة تقدير من وزارة التربية والتعليم في منطقة أبو ظبي لجهوده المتميزة في
تطوير العملية التربوية.
اثناء عمله مدرسا في
وزارة التربية والتعليم حصل على ليسانس آداب لغة عربية من جامعة دمشق بتقدير جيد
جدا وعلى دبلوم تربية بتقدير ممتاز وماجستير في التربية وعلم النفس من جامعة
اليرموك بتقدير جيد جدًا.
أبا احمد لا ينتظر رد
الجميل ولا تعنيه المكافآت، لكنه أكثر ما يفرحه أن يرى نفسه بعيون أبنائه الطلبة،
ويشعر بان تعبه وجهده لم يذهب هدرا، حيث ان بعض الأعمال يتقاعد أصحابها ثم بعد وقت
يطويهم النسيان ولا يبقى لهم أثر أو صيت، إلا المعلم، ففضله ممتدٌ عبر الأجيال،
وذكره باقٍ عبر الأزمان، يبقى أثره، ويتردد في الأصقاع اسمه، لا تمحى بصمته كونه صاحب
رسالة قد يتقاعد من مهنته ولكنه لن يتقاعد عن أداء رسالته تجاه أبناء
وطنه ومجتمعه وعشيرته والتي يشاركها في جميع المناسبات فرحا او ترحا وله بصمات
واضحة بالقرارات المصيرية التي تصدر عن العشيرة .
حدثني بعض ممن تعامل مع أبا احمد مدرسا كان او تلميذ انه كان مثالا
للمربي الفاضل والقدوة الحسنة والمدير الكفوء، شديد الدقة والصرامة في التعامل مع
تربية الأجيال، لم يكن يغفل لحظة واحدة عن أداء واجبه التربوي بكفاءة وجدارة ومحبة،
ولم نكن نجرؤ على إظهار أنفسنا أمامه حين يمر في
الشارع غاديا أو رائحا، ليس لخوف منه، وإنما احتراما له ولمكانته كأستاذ يمنحنا
العلم الذي نحن عليه اليوم، وأيضا لأنه فرض احترامه علينا كمربٍي أخلص لمهنته التي
اختارها.
كان ذا بال طويل في معالجة التشوهات السلوكية لدى
طلابه، ويحاول معهم بكثير من الطرق. ويحذرنا دائما من أن نتهاون بأي سلوك شائن قد
نحمله معنا إلى آخر العمر، ويذكرنا أيضا بأن باب الحياة ما يزال مفتوحا أمامنا على
مصراعيه، لم يكن أبا احمد يعلمنا القراءة والكتابة، بل كان أكثر من ذلك بكثير؛
علمنا الأخلاق والسلوك القويم، والعمل التطوعي، وكيف تكون نافعا لمجتمعك فهو
مذهب تربوي متكامل.
استاذي الفاضل أبا احمد اطال الله
بعمرك ومتعك بموفور الصحة والعافية وآمل ان اكون قد وفقت هذه المرة في كتابة سيرة
معلم بحجم الوطن وأستميح استاذي عذرا على ركاكة التعبير سيما وانني اكتب عن أستاذ اللغة
العربية.
وفي النهاية لا املك الا أن اقول "ما انا الا بشر قد أخطئ وقد
أصيب، فان كنت قد اخطأت فمن نفسي والشيطان، فأرجو مسامحتي وآن كنت قد اصبت فهذا كل
ما ارجوه من الله عز وجل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اخي الزائر :-اذا استحسنت الموضوع وأعجبك؟! يمكنك دعم الموقع بالمساهمة في نشره او اكتب تعليق على الموضوع وسيتم نشره بعد المراجعة !